ثبت عن أبي نُجَيْد حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما قال: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله، إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: "نعم"، قلت: فهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: "نعم، وفيه دخن"، قلت: وما دخنه يا رسول الله؟ قال: "قوم يهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر"، قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: "نعم، دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها"، قلت: يا رسول الله صفهم لنا، قال: "هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا"، قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: "تلزم جماعة المسلمين وإمامهم"، قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: "فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض على أصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك"، بهذا اللفظ أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما.
والحديث واضح الدلالة لا خفاء فيه ولا اختلاف بين أهل العلم، والرسول صلى الله عليه وسلم بيّن حال هذه الأمة وتعاقب الخير والشر عليها، وبيّن أن من آخر ذلك دعاة على أبواب جهنم يخرجون في هذه الأمة يدعون إلى خلاف ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، فمنهم من يدعو إلى الكفر بالله تعالى والإلحاد، وأنتم ترون دعاة الشيوعية والاشتراكية والقومية وغيرها من الدعوات المخالفة لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، ومنهم دعاة يدعون إلى أنواع الفواحش كالزنا وشرب الخمر والمخدرات وعقوق الوالدين والخروج عن طاعة الأزواج وغير هذا من الكبائر والفواحش التي هي من كبائر الإثم والفواحش ودعاتها كثير.
وكذلك دعاة يدعون إلى إفساد أخلاق الناس بأعمالهم لا بأقوالهم، فمجرد إظهار العمل أمام الناس إنما هو دعوة إليه، مجرد أن يفعل الشخص فعلاً يظهره أمام الناس هذا دعوة إلى ذلك الفعل حتى ولو كان الشخص يستسر به عن بعض الناس ويظهره أمام آخرين فهو من الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، لذلك فإن هؤلاء هم الدعاة على أبواب جهنم، وأبواب جهنم هي الفواحش، ففي جهنم سبعة أبواب كل باب له جزء مقسوم من الناس ففيها باب للزنا وباب لشرب الخمر وباب للقذف وباب للعقوق إلى غيرها من الأبواب.
مثل ما أن في الجنة ثمانية أبواب كل باب أيضا لعبادة من العبادات التي تقابل الكبائر، وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن للجنة باباً اسمه الريان لا يدخل منه إلا الصائمون، وأبوابها إنما هي على أبواب الخير، فمنها باب الصدقة، ومنها باب الجهاد، ومنها باب الصوم إلى آخر أبواب الجنة.
فالدعاة على هذه الأبواب الذين يدعون إلى الصيام والذين يدعون إلى الجهاد والذين يدعون إلى الصدقة والذين يدعون إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويعلمون الناس الخير هم على أبواب الجنة الثمانية، والذين يدعون إلى الفواحش والزنا وشرب الخمر وإلى الدجل والتخريف هم الدعاة على أبواب جهنم الذين يدعون إليها.
وأما من ينتهك أعراض الدعاة إلى الله تعالى بإناطة الشبه بهم والشتائم فما هو إلا من المستغلين في جند إبليس الذين يلقي الشيطان على ألسنتهم بعض ما يلقي ثم يمحو الله الباطل ويحق الحق بكلماته، وهؤلاء لا يضرون إلا أنفسهم، ولذلك أصبح كثير من الناس يرى أن من الوصمة ومن العار أن يوصف شخص بأنه من الدعاة!! ولا يعلم أن الله تعالى وصف نفسه وأثنى على نفسه بأنه من الدعاة، فقال الله تعالى: {والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم}، فأفخر المفاخر وأعظمها أن يكون الشخص من الدعاة الذين وصف الله نفسه بأنه منهم وأمر رسوله بذلك وكلفه به فقال: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة}، وأمره أن يخبر بأن أتباعه هم الدعاة: {قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين}، فالله أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول: هذه سبيلي، ما هي السبيل أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني، فكل من زعم أنه من أتباع محمد صلى الله عليه وسلم ولم يكن من الدعاة فهو كاذب كذبه الله في كتابه، فالله تعالى أخبر عن أتباع محمد صلى الله عليه وسلم بأنهم الذين يدعون إلى سبيل الله: {قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين}.