الحمدُ للهِ وحدهُ ، والصلاةُ والسلامُ على من لا نبيَ بعدهُ ، وبعد:
أيها المسلمونَ: لا تزال حلقاتُ الكيدِ بالمسلمينَ تتتابع ، ومكر المتربصينَ يتسارعُ ، وقوى الحق والباطلِ تتصارع: ﴿ وكذلك جعلنا لكلِّ نبيٍّ عدوَّاً من المجرمينَ وكفى بربكَ هادِياً ونصيراً ﴾ ، ﴿ وكذلك جعلنا لكلِّ نبيٍّ عدوَّاً شياطينَ الإنسِ والجنِّ يوحِي بعضُهم إلى بعضٍ زُخْرفَ القولِ غروراً ولو شاءَ ربُّكَ ما فعلوهُ فَذَرهُم وما يفترون ﴾.
وتأتي على الأمةِ الفواجع والزوابع لتظهرَ دخيلةَ أهل النفاق والشقاق وسوءَ طَوِيَّتهم ، وتكشف رداءَ المداورة ، وتمزق ثوب المراوغة ، وصدقَ اللهُ فقد قال: ﴿ ومن أصدق من اللهِ قيلاً ﴾ فقال: ﴿ أم حسبَ الذينَ في قلوبهم مرضٌ أن لن يخرج اللهُ أضغانهم (29) ولو نشاءُ لأريناكهم فلتعرفنهم في لحنِ القولِ واللهُ يعلمُ أعمالكم ﴾.
ويأتي الهجوم المعلن والعداء المبطن على الإسلامِ وعلمائهِ وأهلهِ وأسسه وثوابته ومناهجه وبلادهِ ، من ذوي الفكرِ المقبوحِ والتوجُّهِ المفضوحِ ، ليؤكدَ بجلاءٍ أنَّ من بين صفوفِ الأمَّةِ أدعياءاً أخفياءاً كاذبينَ في الولاءِ والانتماءِ ، سلكواْ مسالكَ عدائيَّةَ ، وطرحواْ في تضاعيف الصحفِ أفكاراً علمانيةً لا دينيةً ، شمخ كلُّ واحدٍ منهم بأنفٍ من الجهلِ طويلٍ ، واحتسى من قيحِ الخبث وقبيح الأباطيل ، ونطقَ بالزورِ وافترى الأقاويل – عقائد وأفكار ضالَّة مضَلِّلَة – ، قومٌ بُهتٌ دنَّسُواْ وجهَ ما كتبواْ عليهِ من قرطاسٍ ولطَّخوهُ بعقائد الشكِّ والجحودِ والوسواسِ. مقالات شوهاء وكلمات عرجاء وحماقات خرقاء ، تبت يدا من خطَّها وتبَّ ، ما أقبح فعله وما كسب.
ألسنة شأنها الإفك والخلط ، وقلوب أفسدها سوء العملِ ، يريدونها فتنةً عمياءَ ، ويبغونها حياةً عوجاءَ. نقدٌ بلا علمٍ ، وحوارٌ بلا حلْمٍ ، ومعالجةٌ بلا فهمٍ. غثٌ فارغٌ ، واستخفافٌ ماكرٌ. أسافلٌ قد علتْ؛ لم تعل من كرمٍ ، وأقزامٌ تطاولت ، وأقلامٌ مأجورةٌ تهافتت على الزورِ وتعاهدت.
فكانَ حقاً على كلِّ مسلمٍ أن يكشفَ ضلالهم ويدفع باطلهم.
شراذمٌ قاصِرونَ ، وشذاذٌ أفّاكونَ ، جاؤواْ ببضاعةٍ غربيةٍ اسمها العلمانية وحقيقتها: اللادينية ، وهدفها إزاحة الإسلام عن الحياة بالكلية.
يدعون أمتهم إلى مذاهب الغربِ في الحكمِ والإدارة ، وسلوك مسالكهم في الوضعِ والتشريعِ ، يعشقون حياةَ الفجورِ والفسوقِ والانحرافِ ، ويبغضون حياةَ الطّهرِ والعفاف. ماذا يريدون من المرأةِ؟ يهاجمون الحجابَ والجلبابَ ، ويطالبون بالسفورِ والاختلاطِ ، وينادونَ بِمساواةِ الرجل بالمرأةِ ، وعمل المرأة ، وحرّية المرأة.
فأي مساواةٍ يريدونَ؟! وأي عملٍ يقصدون؟! وأي حريَّة ينشدونَ؟!، أهي المساواة التي تتوافقُ مع الفطرة وتتناسقُ مع طبيعة المرأةِ؟! أم هي مساواة الشذّاذ؟. إنَّ المساواةَ عندهم هيَ أن تكون سلعةً في يد عبَّادِ المادة والمالِ ، مستعبدةً في يد الرجل يستمتع بها ، ويستذلها ويدنسها ويهين كرامتها وينتهك عِرضها وشرفها ، ثمَّ يلفظها لفظ النواة. المرأة عندهم عارضة في دورِ الأزياءِ ، راقصة في دورِ البِغاءِ ، غانية في دورِ الدعارةِ والتمثيل ، عاملة بِرجليها وثدييها ، نِدّ للرجلِ ومماثلة له ، ومتصارعة معه ومزاحمة له.
هذه هي المساواة عندهم. أمَّا المساواة في الإسلامِ فأرع سمعك لقوله عزَّ وجلَّ: ﴿ ولهنَّ مثل الذي عليهنَّ بالمعروفِ وللرجالِ عليهنَّ درجة ﴾ ، ولقوله صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: { إنما النساءُ شقائقُ الرجالِ }.
فالمرأةُ شقيقة الرجل تكمِّله ، ويكمِّلها هو برجولته وقوامته ، وهي امرأةٌ بأنوثتها وعفتها. المرأةُ عندهم بَغِيٌّ من البغايا وأمةٌ من الإماءِ. والمرأةُ عندنا أمٌّ وزوجٌ حنونٌ وأختٌ كريمةٌ ، طهرٌ وحشمةٌ وعفافٌ وحياءٌ وشرفٌ وإباءٌ ، مربيةُ أجيالٍ وصانعةُ أبطالٍ وغارسةُ فضائلَ ومرضعةُ مكارمٍ وبانيةُ أممٍ وأمجادٍ.
هذه هي المرأة عندنا ، فلينهل العالم الكافر من نظامِ الإسلامِ وعدلهِ وحكمتهِ ورحمتهِ. إنا ندعواْ العالمَ أن يزيحَ الظلمَ الذي أوقعهُ على المرأةِ يومَ استعبدها وأشقاها و.... وأشقى البشريةَ معها.
هجمةٌ على العقيدة:
أيها المسلمون: وتمتد الهجمة الحاقدة من أهلِ العلمنةِ والنفاقِ لِتُحارِبَ عقيدة الولاء والبراء التي هي أوثق عُرى الإيمان ، فعن ابن عباسٍ رضيَ اللهُ عنهما قال: قال رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ لأبي ذرِّ: { « أي الإيمان أوثق؟ » ، قال: اللهُ ورسوله أعلمُ ، قال: « أوثق عرى الإيمان؛ الموالاة في اللهِ ، والمعاداة في اللهِ ، والحب في اللهِ ، والبغض في اللهِ » }. أخرجه الطبراني وله شواهد يقوى بها.
فلماذا يحاربون الولاءَ والبراءَ؟ ، ولمن يريدون أن يكون البراءُ والولاءُ؟ ، نوالي من؟ ونعادي من؟!، نحب من؟ ونبغض من؟!.
إنهم يحاربون الولاء والبراء ليُوقعونا في ولاءٍ وبراءٍ؛ ولاء لمن يحبونَ ، وبراء مما يكرهون. فلا ولاء حينئذٍ لما يحب اللهُ ورسولهُ ، ولا براء مما يبغضه اللهُ ورسولهُ. يريدون أن نبرأَ من عقيدتِنا وأخلاقِنا وقيمِنا وتاريخِنا وأمجادِنا ، لنواليَ عقيدةَ الكفرِ والجحودِ وأخلاقها وقيمها وحياتها.
يلمزون العلماءَ والصلحاءَ ، ويسخرون ويستهزئون ويحاربون أهل الحسبة ، ورجال العلم والصلاح ، يقول أبو بكرٍ بن عياش: إنَّ اللهَ بعثَ محمداً إلى أهل الأرض ، وهم في فسادٍ فأصلحهم اللهُ بمحمدٍ ، فمن دعا إلى خلافِ ما جاءَ بهِ محمدٌ كان من المفسدين في الأرضِ.
أيها المسلمونَ: من رامَ هدىً في غيرِ الإسلامِ ضلَّ ، ومن رامَ إصلاحاً بغيرِ الإسلامِ ذلَّ ، ومن رامَ عزَّاً في غيرِ الإسلامِ ذلَّ ، ومن أرادَ أمناً بدون التوحيد ضاع أمنه واختل؛ نحنُ قومٌ أعزَّنا اللهُ بالإسلامِ ، فمتى ابتغينا العزَّةَ في غيرهِ أذلَّنا اللهُ.
أيها المسلمونَ: لن يكونَ للباطلِ نماءٌ ، ولا لأهلِ الزيغِ بقاءٌ؛ ما دمنا للحق دعاة ، وللعالم هداة ، وللخير بناة. ومتى كنا آمرين بالمعروفِ صدقاً ، ناهينَ عن المنكر حقاً؛ فإنَّ الباطل إلى الاندثار ، وأهله إلى انحدار ، والحق إلى ظهورٍ وانتشارٍ: ﴿ واللهُ غالبٌ على أمرهِ ولكنَّ أكثرَ الناس لا يعلمون ﴾.
أيها المسلمون: الثبات الثبات أمام ملتطم العاديات ومستنقع المتغيرات ، يقول رسول الهدى صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: { « إنَّ من ورائكم أيام الصبر ، الصبرُ فيها مثل قبضٍ على الجمر ، للعامل فيهم مثل أجر خمسين رجلاً يعملون مثل عمله » ، قيل يا رسول اللهِ: أجر خمسين منهم؟ « قال: أجر خمسين منكم » }. أخرجه أبو داوود وابن ماجة.
فاستمسكواْ بدينكم ، وعضواْ عليه بنواجذكم ، وانقادواْ لحكمهِ ، واخضعواْ لإرشادهِ ، تسلَمواْ من الفتنِ وتنجواْ من المِحن ، وتعيشواْ سعداء ، وتموتواْ لدينكم أوفياء.
أيها المسلمون: في زمنِ القحطِ والجفاف والفرقة والخلاف وانتشار الفساد والانحراف؛ يبحث المسلم عن ما يكون له أنساً عندَ الوحشة ، وجلاءاً عند الشبهةِ ، وضياءاً عند الظلمةِ ، ومورداً عند اللهفة. وليس غير الكتابِ والسنَّةِ بفهمِ سلف الأمَّةِ حصناً من المخاطرِ ، وحرزاً من المعاثرِ.
فاستمسكواْ بهما ، واعتصمواْ بما فيهما ، فعن زيد بن أرقم رضيَ اللهُ عنه قال: قال رسول اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: { كتابُ اللهِ هو حبلُ اللهِ؛ من اتبعه كانَ على الهدى ، ومن تركه كان على الضلالة }.
وعن جابر رضيَ اللهُ عنهُ قال: قال رسول اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: { تركت فيكم ما لن تضلواْ بعده إنِ اعتصمتم بهِ؛ كتاب اللهِ }. رواهما مسلم.
وعن أبي هريرة رضِيَ اللهُ عنهُ قالَ: قال رسول اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: { إنِّي تركت شيئين لم تضلُّواْ بعدهما: كتاب اللهِ وسنتي ، ولن يتفرقا حتى يردا على الحوضِ }. أخرجه الحاكم.
أيها المسلمون: العلماءُ هم حرَّاسُ الأمةِ ، الصادقون في نصحها ، العارفون بمصالحها ، العالمون بأدِلَّةِ الشريعةِ وبراهينها ومقتضيات العقيدة ولوازمها ، وهم أقدر الناس على استنباطِ الأحكامِ ، ومعرفة الحلال والحرامِ ، نظرهم عميق ورأيهم وثيق وفكرهم دقيق؛ فيه علامة التسديد والتوفيق ، علمتهم الوقائعُ والتجاربُ مكنونَ المآلاتِ والعواقب.
فاسئلوهم عما أشكل وشاورهم عما أقفل ، وأعرضواْ عليهم ما حلَّ ونزلَ وإياكم والتفرد بالرَّأيِ أو سؤال كلّ منكر في العلمِ أو غريب ليسَ له حوزٌ ولا نصيب. واسألواْ اللهَ الهدايةَ واستعيذواْ بهِ من الضلالِ والغوايةِ وصونواْ ألسنتكم عن ما لا فائدة منهُ؛ من القولِ وإياكم والجدالِ والمراءِ فإنهما رأي الفتنة وحبائل الفرقة: { والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده } ، { من يحرم الرفق يحرم الخير كله } ، { وما كان الرفق في شئٍ إلاَّ زانه ولا نزع من شئٍ إلاَّ شانه }.
فاحذرواْ الإقدامَ على أفعالِ تضر ولا تنفع ، وتفرق ولا تجمع وتجلب الشرَّ ولا تدفع ، وتراحمواْ وتكاتفواْ ولا تباغضواْ ولا تدابرواْ ، وكونواْ عبادَ اللهِ إخواناً.
حفظنا اللهُ من الفتنِ وأدام علينا النعم والمنن،،،