الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ،، أما بعد
فنظرا لعظم الخطب وشناعة الأمر المنقول عن شيخ الأزهر في أنه لا يصح إسلام القصارات وما ورد في ما نقل عنه من تلبيس لا يقول به جهلة المسلمين فضلا عن نسبته إلى إمام عظيم متَبع كالشافعي رحمه الله وأتباع مذهبه، سطرت هذه الكلمات في عجالة ضمنتها نقولات عن الإمام الشافعي نفسه في إبطال الكلام المنسوب لشيخ الأزهر وبيان التلبيس والجهالة فيما نقله - إن ثبت عنه-.
وقبل أن أورد ما يدحض الهراء الذي نقل عنه فإني أود توضيح الآتي:
أولا: محل النزاع في الصبي المميز الذي لم يبلغ سن البلوغ الشرعي لا فيمن بلغ بلوغا شرعيا، فقد ذهب الجمهور وعلى رأسهم الإمام أبو حنيفة وصاحباه والإمام أحمد وسائر أصحابه أن إسلام الصبي صحيح قال الشيخ العلامة محمد المطيعي الشافعي في تتمة شرح المجموع على المهذب ما نصه:وقال أبو حنيفة وصاحباه وأحمد بن حنبل وسائر أصحابه، وإسحاق وابن أبى شيبة وأبو أيوب يصح إسلام الصبى إذا كان له عشر سنين وعقل الاسلام لعموم قوله صلى الله عليه وسلم (من قال لا إله إلا الله دخل الجنة) وقوله (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا منى دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله) وقوله صلى الله عليه وسلم (كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه حتى يعرب عنه لسانه إما شاكرا واما كفورا) وهذه الاخبار يدخل في عمومها الصبى ، ولأن الإسلام عبادة محضة فصحت من الصبى العاقل كالصلاة والحج، ولأن الله تعالى دعا عباده إلى دار السلام وجعل طريقها الاسلام، وجعل من لم يجب دعوته في الجحيم والعذاب الاليم، ولأن عليا - رضي الله عن- أسلم صبيا..)19/223-224
وقال الشافعي إن إسلام الصبي المميز وكذا ردته لا تصح حتى يبلغ،، إذن محل النزاع في الصبي المميز الذي لم يبلغ شرعا، وهو ما لا ينطبق على حالة الأختين كريستين ونانسي لأنهما قد بلغا سن البلوغ الشرعي.
ثانيا: ها انا أنقل لفضيلة شيخ الأزهر علامات البلوغ عند الشافعية ،، قال الشيخ وهبة الزحيلي في الفقه الإسلامي وأدلته ( ومذهب الشافعية:يحصل البلوغ إما باستكمال خمس عشرة سنة قمرية، أو بالاحتلام أو بخروج المني وقت إمكانه من ذكر أو أنثى، ووقت إمكانه: استكمال تسع سنين، أو بنبات شعر العانة الخشن الذي يحتاج في إزالته لنحو حلق. وأما نبات شعر الإبط واللحية، فليس دليلاً للبلوغ لندورهما دون خمس عشرة سنة.
ويزيد على المذكور بالنسبة للمرأة: الحيض والحبل.
والخلاصة: أن البلوغ عندهم يحصل بخمسة أشياء : ثلاثة يشترك فيها الرجل والمرأة، وهي الإنزال (الاحتلام) والإنبات والسن. واثنان تختص بهما المرأة وهما الحيض والحبل.) وينظر
مغني المحتاج: 166/2 ومابعدها، المهذب: 330/1
إذن حالة الأختين كريستين ونانسي خارج محل النزاع لأن كليهما قد بلغ بلوغا شرعيا يقينيا ولا عبرة بتلبيس شيخ الأزهر بأنهما قاصرتان في حكم القانون، ومحل التلبيس في كلام الشيخ أنه نقل كلام الشافعية في عدم صحة إسلام الصبي وأراد تنزيله على حالة الأختين البالغتين ، فبإجماع علماء المسلمين جيلا بعد جيلا فإن إسلام الأختين صحيح لا مرية فيه ولا شك ولا يشكك فيه إلا جاهل أو محرف لدين الله.
ثالثا : وتنزلا منا وعلى فرض أن الأختين لم تبلغا بعد وأنهما صبيتان لم يبلغا سن الحلم فنقول وبالله التوفيق قد ثبت عن أئمة الشافعية بل عن الشافعي نفسه أن الصبية التي تأتينا من الكفار لا يجوز إرجاعها إليهم وهاك بعض كلامهم:
1-قال الشافعي - رحمه الله- في كتابه الأم 4/196 : (وَإِنْ خَرَجَتْ إلَيْنَا منهم زَوْجَةُ رَجُلٍ لم تَبْلُغْ وَإِنْ عَقَلَتْ فَوَصَفَتْ الْإِسْلَامَ مَنَعْنَاهَا منه بِصِفَةِ الْإِسْلَامِ وَلَا يُعْطَى حتى تَبْلُغَ فإذا بَلَغَتْ وَثَبَتَتْ على الْإِسْلَامِ أَعْطَيْنَاهُ الْعِوَضَ إذَا طَلَبَهَا بَعْدَ بُلُوغِهَا وَثُبُوتِهَا على الْإِسْلَامِ .....وَلَوْ جَاءَتْنَا جَارِيَةٌ لم تَبْلُغْ فَوَصَفَتْ الْإِسْلَامَ وَجَاءَ زَوْجُهَا وَطَلَبَهَا فَمَنَعْنَاهُ منها فَبَلَغَتْ ولم تَصِفْ الْإِسْلَامَ بَعْدَ الْبُلُوغِ فَتَكُونُ من الَّذِينَ أُمِرْنَا إذَا عَلِمْنَا إيمَانَهُنَّ أَنْ لَا نَدْفَعَهُنَّ إلَى أَزْوَاجِهِنَّ فَمَتَى وَصَفَتْ الْإِسْلَامَ بَعْدَ وَصْفِهَا الْإِسْلَامَ وَالْبُلُوغَ لم يَكُنْ له عِوَضٌ) فها هو الإمام الشافعي نفسه رحمه الله يمنع الجارية إذا أتت إلينا من زوجها إن كان لها زوج ولا ترد إلى الكفار، فما قول فضية شيخ الأزهر في هذا النص عن الشافعي رحمه الله.
2- وجاء في أسنى المطالب للشيخ زكريا الأنصاري في شرحه على روض الطالب ما نصه : (( وَلَوْ جَاءَتْ صَبِيَّةٌ مُمَيِّزَةٌ تَصِفُ الْإِسْلَامَ لَمْ نَرُدَّهَا ) ؛ لِأَنَّا ، وَإِنْ لَمْ نُصَحِّحْ إسْلَامَهَا نَتَوَقَّعُهُ فَيُحْتَاطُ لِحُرْمَةِ الْكَلِمَةِ.
3- وقال السيوطي الشافعي في كتابه في القواعد الأشباه والنظائر : إذا جاءتنا من المهادنين صبية تصف الإسلام : فإنا لا نردها إلى الكفار ، وإن قلنا : لا يصح إسلام الصبي ،لأن الأصل بقاؤها على ما تلفظت به إذا بلغت. أز هـ ص 808
4 قال الشيرازي رحمه الله في المهذب : (فصل فإن جاءت صبية ووصفت الإسلام لم ترد إليهم وإن لم يحكم بإسلامها لانا نرجو إسلامها فإذا ردت إليهم خدعوها وزهدوها فى الإسلام فإن بلغت ووصفت الكفر قرعت فإن أقامت على الكفر ردت إلى زوجها).
وهذا غيض من فيض وقليل من كثير يا فضيلة شيخ الأزهر ، فلا أدري والله ماذا تقول لربك غدا إذا أوقفت بين يديه وسألك لماذا رددت من أتاك يريد الإسلام فسلمته لمن يفتنه في دينه ويرده عنه بعد إذا هداه الله .
يا فضيلة الإمام أرجو أن تعد لهذا السؤال جوابا ، وللجواب صوابا .
والله المستعان وعليه التكلان.