عندما تقع مصيبة، أي مصيبة فإن أول ما يتبادر إلى ذهن المصاب ومن حوله ممن يهمهم أمره، هو شيء واحد: الصبر عليها، واحتسابها عند الله، كي لا يخرج المؤمن منها بلا أجر فيكون كما يقول أهل مصر: موت وخراب ديار.
عندنا مثل شعبي جميل قديم مستوحى من صميم العقيدة يقول: (إن صبرتوا ظفرتوا والأمر جاري، وإن جزعتوا كفرتوا والأمر جاري) ذلك إذا حدثت المصيبة فإن مأساتها وآلامها تحدث معها، ولن يوقفها الجزع منها، ولن ينقصها الصبر عليها، ولذلك فإن العقل السليم والمنطق الصحيح يقول: ما دامت المصيبة قد وقعت فلم أخرج منها خاسرا، الأفضل أن أصبر وأحتسب لأخرج مأجورا، فتكون مصيبتي في النهاية تعويضا لي بشكل غير مباشر.
ولذلك كانت المصيبة مع ما تجره من آلام، وما تورثه من مكاره، فرصة جميلة لاجتياز امتحان الرب جل وعلا، والخروج منها بأجر عظيم، قال عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير: إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن) نعم فغير المؤمن يصاب مثلما يصاب المؤمن بمرض أو موت أو خسارة ولكنه يختلف عن المؤمن في النتيجة التي يخرج بها الاثنان: هذا يخرج بالمصيبة وحدها، والثاني يخرج بالصبر والأجر العظيم.
وعلى كل حال فالأصل ألا يتمنى المؤمن المصيبة، فمن الحصافة ألا يكل نفسه إلى نفسه ويغتر بها، فقد تحدث له المصيبة ولا يصبر عليها أو يجزع لحدوثها فتقع له كارثة الإثم العظيم.
والمصائب كلها سواء، تتعدد بأشكالها وأنواعها وآثارها، ولكنها في النهاية تشترك جميعا في الصبر عليها والخروج بأجر الصابرين الذي ليس له حساب عند رب العالمين.
ولكن هل خطر في بالكم نوع خاص من المصائب؟ مصيبة إذا وقعت على المؤمن فإن صبره عليها يزيده إثما، وكلما صبر عليها كلما ازداد عداد إثمه، ولا يخرج منها على خير أبدا.
إنها المصيبة في الدين.
إنها المصيبة الوحيدة التي لا علاج لها ولا صبر يفيد معها ولا احتساب يقلل من آثارها، إنها المصيبة التي إن أصابت المؤمن خسرته الدنيا والآخرة.
وقفت كثيرا عند قول سيدي رسول الله عليه وآله أفضل الصلاة والسلام، (اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا) كيف تكون المصيبة في الدين؟ أليس الصبر دواء المصيبة؟ أليست المصيبة للمؤمن فرصة للأجر والثواب؟ فكيف تكون المصيبة في الدين، وكيف يكون الصبر عليها؟ وكيف يتم احتسابها عند الله؟
كل ذلك لا وجود له، لأن المصيبة في الدين هي خسارة الدين، فكيف يصبر المرء على خسارة دينه ثم يرجو بذلك الأجر والثواب كما يحصل للصابرين الآخرين؟
المصيبة في الدين ابتلاء مثله مثل باقي الابتلاءات ولكن الفرق بينها وبين غيرها كفقد الولد أو المرض أو السجن في سبيل الله، أنها ابتلاء أوقع المسلم نفسه به، واختاره ليعيشه وعليه أن يتحمل النتيجة أيا كانت. والفارق الثاني أنها المصيبة التي بإمكان المصاب بها أن ينهيها في أي وقت يشاء، فإنهاؤها بيده هو ليس غير.
المصيبة تختلف بحجمها حسب نوع المصاب، ففقد ابن العم أهون من فقد الولد، وفقد الولد من بين عدة أولاد أهون من فقد الولد الوحيد وهكذا، فالأغلى ثم الغالي ثم الأقل والأقل.
ولا يوجد عند المسلم أغلى عليه من دينه فالدين أغلى من كل شيء في الدنيا، من أجله يضحي المسلم بالبلد والأهل والمال والولد والزوجة بل والدنيا بأسرها.
فانظر إلى المصيبة في أغلى ما عند الإنسان وهو الدين، كيف أنها أسوأ المصائب ونتائجها أسوأ النتائج.
فرصة للتدبر والتفكر والاستنتاج
الصبر على المرض يهون المرض ويورث الثواب، ولكن الصبر على المعصية كيف يكون؟ أأصبر على شرب الخمر مثلا، وأحتسبه عند الله وأقول: (اللهم أثبني على صبري على شرب الخمر) أمر عجيب والله، أن يكون الصبر على المصيبة إثما.
أأصبر على بيع ديني بدنياي في إصدار الفتاوى المضللة وأقول: الله آجرني في مصيبتي في ديني؟ كيف يعقل ذلك.
أينفع الصبر مع تحريف دين الله؟ أيجدي الاحتساب مع السكوت عن الحق؟
أأخاطب ربي قائلا (اللهم إني أعصيك فصبرني على معصيتك وأثبني عليها) هذا والله هو الجنون بعينه.
وما أكثر المصابين في الدين في يومنا هذا، الذين باعوا دينهم بدنياهم أو بدنيا غيرهم، فهم والله الخاسرون حقا.
ولله در من قال: لأن أطلب دنياي بالطبل والمزمار أحب إلى من أن أطلبها بدين الله تعالى.
ورحم الله عالم العربية الذي عاب عليه بعض الفقهاء أخذه المال على تعليم العربية فقال: لأن أكسب المال بحضر زيد وقام عمرو أحب إلي من أن أكسبه بقال الله وقال رسوله.
أدركوا أن كل مصيبة دون مصيبة الدين تهون، وأن الصبر ينفع مع كل شيء إلا المصيبة في الدين فإن الصبر عليها يزيد إثمها.
فلنحذر جميعا من الوقوع في مصيبة الدين، فإنها الخسارة التي ما بعدها خسارة، لأنها الخسارة التي لا تعويض فيها ولا فائدة منها.
اللهم لا تصيبنا في ديننا، فإننا إن صبرنا على شيء فإننا لا نقوى الصبر على المصيبة في ديننا
والله تعالى أعلى وأعلم وهو الهادي إلى سواء السبيل